بيت الأدباء والشعراء

حديث الجمعة بقلم على الشافعي

حديث الجمعة بقلم على الشافعي
كاتب وكتاب
اسعد الله وقاتكم ايها السادة الافاضل , سأحدثكم اليوم عن امير من امراء السيف والقلم , عالم شاعر اديب مؤرخ وفارس مغوار , ودبلوماسي مُحنّك , قاد مفاوضات عسيرة مع الفرنجة ابان الحروب الصليبية , وترك بصمات خالدة على صفحات تاريخنا العربي والاسلامي , وترك ايضا مَعْلما معماريا في اعلى قمم جبال عجلون الشماء في شمال المملكة الاردنية الهاشمية , والمطلة على الشمال الفلسطيني حيث وقعت معركة حطين المجيدة , التي كان له دور بارز فيها. حيث شهد انتصارات المسلمين وارخ لها . اظن البعض عرفه من خلال الاثر الذي تركه ( قلعة عجلون). انه الامير الشاعر المؤرخ اسامة بن منقذ . من هو اسامة سأقول لكم بعد الصلاة على الحبيب:
هو مؤيَّد الدولة أبو المظفر أسامة بن مُرشد بن علي بن مقلد بن نصر بن منقذ، عربي كناني ، من أسرة اشتهر رجالها بالفروسية والشعر والأدب ، حكمت (شيزر ) مدينة في الشمال الغربي من حماة في سوريا .
ولد اسامة عام 488هـ 1095م ، وتلقى الثقافة التي كان يتلقاها الأمراء في ذلك العصر على شيوخ كبار أحضرهم والده ، فسمع الحديث ، كما قرأ النحو ، ودرس الفقه واللغة والادب وحفظ كثيراً من الشعر . وشبّ جريئاً لا يهاب الصعاب ، وفارساً من فرسان العرب الشجعان ، وأديباً وشاعراً مقرباً من الملوك والسلاطين . وبعد وفاة والده التحق أسامة بجيش نور الدين زنكي في دمشق ، وعاش في بلاطه من سنة(1138-1144)، ثم انتقل الى القاهرة حتى 1154، حيث عاد مع صلاح الدين قائدا لبعض الحملات على الصليبيين , فجعل من عجلون مركزا لانطلاق الجيش في معارك صغيرة تضعف شوكتهم , قبيل المعركة الفاصلة ( حطين) , فبني قلعة عجلون بأمر من صلاح الدين , لتكون مقرا لقيادة الجيش ومركزا لانطلاق غاراته على حصون الفرنج .
بعد معركة حطين قاد اسامة مفاوضات عسيرة مع الصليبيين لتسلُّم بيت المقدس ذكرها في كتابه الاعتبار . بعدها عاد إلى دمشق حيث صنف مجموعة من المؤلفات خلدت اسمه على مر العصور. وكانت وفاته فيها عام 584هـ= 1188م ودفن في جبل قاسيون .
صنف ابن منقذ مجموعة من الكتب اشهرها : كتاب البديع في البديع , نقد للشعر , تاريخ القلاع والحصون ,أزهار الأنهار ,التاريخ البلدي , نصيحة الرعاة , كتاب العصا, أخبار النساء, ديوان قصائده , كتاب النوم والأحلام , المنازل والأديار, لباب الآداب, وكتاب الاعتبار.
كتاب الاعتبار من الكتب المُميزة والمُثيرة , الفه بعد بلوغه التسعين ليروي لنا شيئًا من مذكراته وتجاربه ولا سيما في مجال الفروسية ، ففيه يحدثنا أسامة عن المعارك التي شهدها والحوادث والنوادر التي حدثت معه أو مع أشخاص آخرين في زمانه, وقد أتاحت له المفاوضات والمعاهدات التي أبرمت مع مملكة بيت المقدس فرصة زيارتها والاتصال بالفرنج ، فعرف الكثير من عاداتهم وأخلاقهم فوصفها في هذا اكتاب بكل تجرد وحيادية ايجابا وسلبا ، وذكرياته ومشاهداته من معارك حربية وأحداث سياسية في مصر والشام ، مصوراً الوقائع التي جرت بين العرب والصليبيين ، مبيناً طبائعهم وأخلاقهم وعقائدهم . وقد كتب بإنشاء عادي بعيد عن التصنع , وامتاز بالأمانة في النقل والصدق في الرواية والدقة في الملاحظة ، مع الموازنة بين ما جرت عليه تقاليد العرب المسلمين وحياتهم اليومية وبين ما درج عليه الإفرنج الذين أقاموا في البلاد في ذلك العصر .
يعدّ كتاب الاعتبار أول سيرة ذاتية في الآداب العربية ، رمى المؤلف من ورائه إلى إبراز فكرة هي: أن ركوب المخاطر في الحرب أو في السلم لا تنقص من الأجل المكتوب . لكنه لا يقف عند نفسه، ففي جنبات الكتاب تعرض لمواقف بطولية لآخرين ، فأحيانًا يفتح الباب واسعًا أمام البطولات الجماعية، والخبرات القتالية، وتعقيدات الموقف بين المتحاربين ، واحيانا يصف بطولات فردية قام بها بسطاء من الناس , منها خادم لأبيه أظهر بطولة لافتة في إحدى المواجهات أمام الفرنج ’ وهو الشيخ حمَدَات الذي أبدى شجاعة نادرة , تمكن خلالها من تسديد رمحه “إلى صدر الإفرنجي ، فطعنه طعنة نفذ الرمح منه. بل لقد شاركت النساء في تلك المواجهة , مثل المرأة ندى الشيزرية . ومع ذلك لم يغفل اسامة وصف بطولات اعدائه , فقد اعترف بشجاعة الفارس الصليبي ، واورد عددا من القصص عنه من خلال مشاهداته في المعارك .
وبعد ــ ايها السادة الافاضل ــ لا يمكن اختصار قيمته في كونه “الأول من نوعه” بين السير الذاتية ، إنما تكمن القيمة الكبرى في أنه من الأعمال النادرة التي تناولت “المسكوت عنه” في تاريخ الحروب الصليبية ، سواء طبيعة حياة الإفرنج في المشرق العربي ، أو ما كان يجري في دهاليز القوى العربية المتصارعة ، والجانب الإنساني من تفاعل بين العرب المحليين والمستوطنين الإفرنج , وكذا التأثير الثقافي لهذا التفاعل . الكتاب مطبوع ومنه نسخة الكترونية ايضا لمن احب الاطلاع عليه وعلى بعض مؤلفات ومصنفات ضيفنا على مائدة هذا الصباح. طاب يومكم .م،

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: