فخانتاهما

فَخَانَتَاهُمَا
معنى خيانة امرأة سيدنا نوح، وامرأة سيدنا لوط عليهما السلام لزوجيهما .
السؤال: ما معنى الخيانة الواردة في حق امرأة سيدنا نوح وسيدنا لوط عليهما السلام؟
الإجابة: قال الله تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ} [التحريم: 10]،
مَعْنَى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ، أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ حَالَةَ هَاتَيْنِ الْمَرْأَتَيْنِ عِظَةً وَتَنْبِيهًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا، أَيْ لِيُذَكِرَهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ لَا يَصْرِفُهُ عَنْ وَعِيدِهِ صَارِفٌ فَلَا يَحْسَبُوا أَنَّ لَهُمْ شُفَعَاءَ عِنْدَ اللَّهِ”، “فمُخَالَطَة الكفار للْمُسْلِمِينَ وَمُعَاشَرَتِهِمْ “لَا يُجْدِي عَنْهُمْ شَيْئًا وَلَا يَنْفَعُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ، إِنْ لَمْ يَكُنِ الْإِيمَانُ حَاصِلًا فِي قُلُوبِهِمْ، “ولقد ضَرَبَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْمَثَلَ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّهُ لَا يُغْنِي أَحَدٌ فِي الْآخِرَةِ عَنْ قَرِيبٍ وَلَا نَسِيبٍ إِذَا فَرَّقَ بَيْنَهُمَا الدِّينُ. وَكَانَ اسْمُ امْرَأَةِ نُوحٍ وَالِهَةَ، وَاسْمُ امْرَأَةِ لُوطٍ وَالِعَةَ، قَالَهُ مُقَاتِلٌ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: إِنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ اسْمَ امْرَأَةِ نُوحٍ وَاغِلَةُ وَاسْمَ امْرَأَةِ لُوطٍ وَالِهَةُ. “وَقِصَّةُ امْرَأَةِ نُوحٍ لَمْ تَذْكُرْ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ وَالَّذِي يَظْهَرُ ، أَنَّهَا خَانَتْ زَوْجَهَا بَعْدَ الطُّوفَانِ ، وَأَنَّ نُوحًا لَمْ يَعْلَمْ بِخَوْنِهَا لِأَنَّ اللَّهَ سَمَّى عَمَلَهَا خِيَانَةً.
وَقَدْ وَرَدَ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ مِنَ التَّوْرَاةِ ذِكْرُ امْرَأَةِ نُوحٍ مَعَ الَّذِينَ رَكِبُوا السَّفِينَةَ”
وَذِكْرُ خُرُوجِهَا مِنَ السَّفِينَةِ بَعْدَ الطُّوفَانِ ثُمَّ طُوِيَ ذِكْرُهَا،ولَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ نُوحًا وَبَنِيهِ وَمِيثَاقَهُ مَعَهُمْ فَلَمْ تُذْكَرْ مَعَهُمْ زَوْجُهُ. فَلَعَلَّهَا كَفَرَتْ بَعْدَ ذَلِكَ أَوْ لَعَلَّ نُوحًا تَزَوَّجَ امْرَأَةً أُخْرَى بَعْدَ الطُّوفَانِ لَمْ تُذْكَرْ فِي التَّوْرَاةِ. “وَوَصَفَ اللَّهُ فِعْلَ امْرَأَةِ نُوحٍ وامْرَأَةِ لوط بِخِيَانَةِ زَوْجيهما،
فما معنى الخيانة ؟
الْخِيَانَةُ وَالْخَوْنُ: ضِدُّ الْأَمَانَةِ وَضِدُّ الْوَفَاءِ، وَذَلِكَ تَفْرِيطُ الْمَرْءِ مَا اؤْتُمِنَ عَلَيْهِ وَمَا
عُهِدَ بِهِ إِلَيْهِ. وَقَدْ جَمَعَهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [الْأَنْفَال: 27] . ”
والخيانة هي مخالفة الحق نقضا للعهد بما صدر عنهما من كفر وعصيان، ونقيضها الأَمانة. ”
معنى (فَخَانَتَاهُمَا):
فَقَالَ الْمُفَسِّرُونَ: هِيَ خِيَانَةٌ فِي الدِّينِ، أَيْ كَانَتْ كَافِرَةً مُسِرَّةً الْكُفْرَ، فَلَعَلَّ الْكُفْرَ حَدَثَ مَرَّةً أُخْرَى فِي قَوْمِ نُوحٍ بَعْدَ الطُّوفَانِ وَلَمْ يُذْكَرْ فِي الْقُرْآنِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ امْرَأَة لوط فقد ذكر فِي الْقُرْآنِ مَرَّاتٍ. وَتَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ
“وقوله (خَانَتَاهُمَا )أَيْ: فَوَقَعَتْ مِنْهُمَا الْخِيَانَةُ لَهُمَا”.
فقوله {فَخَانَتَاهُمَا} أَيْ: فِي الْإِيمَانِ، لَمْ يُوَافِقَاهُمَا عَلَى الْإِيمَانِ، وَلَا صَدَّقَاهُمَا فِي الرِّسَالَةِ، فَلَمْ يُجْد ذَلِكَ كلَه شَيْئًا، وَلَا دَفَعَ عَنْهُمَا مَحْذُورًا؛ وَلِهَذَا قَالَ: {فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا}” فالخيانةُ هنا معناها خِيَانَتُهُمَا فِي الدِّينِ ، فالمرأتان كَانَتْ خِيَانَتُهُمَا فِي الدِّينِ وَكَانَتَا مُشْرِكَتَيْنِ. أوكانتا كافرتين كما ذكر بعض المفسرين ،قال القرطبي (فَخانَتاهُما)”أي بِالْكُفْرِ.قال عكرمة وَالضَّحَّاكُ.
، أو كانتا عاصيتين ، أو كَانَتَا مُنَافِقَتَيْنِ. ”
وَقِيلَ: خِيَانَتُهُمَا النَّمِيمَةُ “إِذَا أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِمَا شَيْئًا أَفْشَتَاهُ إِلَى الْمُشْرِكِينَ، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. وَقِيلَ: كَانَتِ امْرَأَةُ لُوطٍ إِذَا نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ دَخَّنَتْ لِتُعْلِمَ قَوْمَهَا أَنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِهِ ضَيْفٌ، لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ إِتْيَانِ الرِّجَالِ”.فامْرَأَةُ لُوطٍ كَانَتْ إِذَا أَضَافَ لُوطٌ أَحَدًا أَخْبَرَتْ بِهِ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِمَّنْ يَعْمَلُ السُّوءَ. قاله ابْنُ عَبَّاسٍ “كما كَانَتْ امْرَأَةُ لُوطٍ تُدِلُّ عَلَى نُزُولِ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ، “فخِيَانَةُ امْرَأَةِ لُوطٍ فَكَانَتْ في إعلام وإدلال قَوْمَهَا عَلَى أَضْيَافِهِ. ”
أما “امْرَأَةُ نُوحٍ فقد قَالَتْ لِقَوْمِهِ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ “عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَتِ امْرَأَةُ نُوح تَطَلع عَلَى سِرِّ نُوح، فَإِذَا آمَنَ مَعَ نُوحٍ أَحَدٌ أَخْبَرَتِ الْجَبَابِرَةَ مَنْ قَوْمِ نُوحٍ بِهِ ” هذا هو معنى الخيانة وليست الخيانة بالمعنى المتعارف عليه وهو ارتكاب جريمة الزنا، “وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ خِيَانَتُهُمَا بِالْفُجُورِ،أوفِي فَاحِشَةٍ، بَلْ فِي الدِّينِ، فَإِنَّ نِسَاءَ الْأَنْبِيَاءِ معصوماتٌ عَنِ الْوُقُوعِ فِي الْفَاحِشَةِ؛ لِحُرْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ “وَقَالَ الضَّحَّاكُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: مَا بَغَتِ امْرَأَةُ نَبِيٍّ قَطُّ، إِنَّمَا كَانَتْ خِيَانَتُهُمَا فِي الدِّينِ. ”
وقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {فَخَانَتَاهُمَا} قَالَ: مَا زَنَتَا، “وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ فِيمَا ذَكَرَ الْقُشَيْرِيُّ ”
(فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللَّهِ شَيْئاً) أَيْ: فَلَمْ يَنْفَعْهُمَا نُوحٌ وَلُوطٌ بِسَبَبِ كَوْنِهِمَا زَوْجَتَيْنِ لَهُمَا شَيْئًا مِنَ النَّفْعِ، وَلَا دَفْعًا عَنْهُمَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مع كَرَامَتِهِمَا عَلَى اللَّهِ شَيْئًا مِنَ الدَّفْعِ “.
وَانْتَصَبَ شَيْئاً عَلَى الْمَفْعُولِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ لِ يُغْنِيا لِأَنَّ الْمَعْنَى شَيْئًا مِنَ الْغِنَى، وَتَنْكِيرُ شَيْئاً لِلتَّحْقِيرِ، أَيْ أَقَلَّ غِنًى وَأَجْحَفَهُ بَلْهَ الْغِنَى الْمُهِمِّ، وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً فِي سُورَةِ الْجَاثِيَةِ [19]” .
{وَقِيلَ} أَيْ: لِلْمَرْأَتَيْنِ ”
(ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ) أَيْ: وَقِيلَ لَهُمَا فِي الْآخِرَةِ، أَوْ عِنْدَ مَوْتِهِمَا ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ لَهَا مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ وَالْمَعَاصِي.
#محمد_سعيد_أبوالنصر