
بيت الأدباء والشعراء
وصف الجنه
وصف الجنة .
لا يقدر أحد على وصف الجنة مهما أوتي من البلاغة والبيان “فهِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ وَقَصْرٌ مَشِيدٌ وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ وَثَمَرَةٌ نَضِيجَةٌ وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ لَا تَمُوتُ وَحُلَلٌ كثيرة وَنَعِيمٍ فِي مَقَامٍ أَبَدًا فِي دَارٍ سَلِيمَةٍ وَفَاكِهَةٍ وَخُضْرَةٍ وَحِبْرَةٍ وَنِعْمَةٍ فِي مَحِلَّةٍ عَالِيَةٍ بَهِيَّةٍ قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الْمُشَمِّرُونَ لَهَا. قَالَ قُولُوا إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَقَالَ الْقَوْمُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
“إنَّ الجنةَ وما فيها من النعيمِ، والسرورِ، والفرحِ، والحُبُور ليعجز عن وصفِها الواصفون، وهي واللهِ جديرةٌ لأنْ يعمل لها العاملون، وأنْ يتنافسَ فيها المتنافسون، وأنْ يُفْنِي الإنسانُ عُمرَه كلَه في طلبِها، زاهدًا في الدون، ففيها من النعيم ما يعجز العقلُ البشريُ عن تصورهِ وتخيلهِ، يقول الله -عز وجل-: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[السجدة: 17]. ويصف النبي -صلى الله عليه وسلم- هذا النعيم فيقول: قال الله -عز وجل-: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ وأقرؤوا إن شئتم: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ)“[السجدة: 17]. رواه البخاري ومسلم
إن نعيم الجنة لا يخطر على عقل بشر فهو فوق مستوى تخيل العقل البشري، ولذلك جاء التعبير القرآني في وصف هذا النعيم بقوله تعالى -: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ)[محمد: 15]. إن نعيم الجنة نعيم عظيم، نعيم فوق مستوى التخيل،ولذلك قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “ليس في الجنة شيء مما في الدنيا إلا الاسم” فالاسم هو الاسم ولكن المسمى غير المسمى، ففي الجنة من كل فاكهة زوجان، فيها فاكهة ونخل ورمان ليست مثل فواكه ونخل ورمان الدنيا، هي فقط تشبهها في الاسم ولكنها مختلفة عنها في الحقيقة، قد ذللت قطوفها تذليلا إن قام تناولها بسهولة، وإن قعد تناولها بسهولة، وإن اضطجع تناولها بسهولة، كلما قطع منها شيء خلفه آخر: (كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا) أي: في اللون، والهيئة ولكنه مختلف في الطعم: (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا) آمنين من كل نقص في نعيمهم أو زواله ،آمنين من كل خوف، آمنين من الهرم، آمنين من المرض،: آمنين من الموت، (خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ).
ذكروا أنفسكم بالجنة .
ذَكِّرُوا أَنْفُسَكُمْ بدار لَا يَفْنَى فِيهَا شَبَابُنَا، وَلَا تَبْلَى فِيهَا ثِيَابُنَا.
بدار ليس فيها مرضٌ، ولا همٌ، ولا غمٌ، ولا تعبٌ، ولا نصبٌ، ولا موتٌ، بل لذاتٌ متتابعةٌ إلى ما لا نهاية.
ذَكِّرُوا أَنْفُسَكُمْ بِالنَّعِيمِ المُقِيمِ الدَّائِمِ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقَاً.
ذَكِّرُوا أَنْفُسَكُمْ بِجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ.
إن استحضار هذا النعيم، وعدم الغفلة عنه، ليحدو الإنسان مزيدا من الطاعة، والإحسان في العمل الصالح، خاصة إذا استحضر الإنسان بأن الجنة درجات، وأن ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، وأن أهل الجنة يتفاوتون فيها على مقدار العمل في هذه الدنيا، فيبذل الإنسان جهده في التزود بزاد التقوى، والعمل الصالح .
ذَكِّرُوا أَنْفُسَكُمْ بِدَارِ السَّلَامِ التي يَدْعُو إِلَيْهَا مَوْلَانَا بِقَوْلِهِ: ﴿وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ﴾. حيث السَّلَامُ المُطْلَقُ لِكُلِّ مَا نُرِيدُهُ وَمَا نَتَمَنَّاهُ،
نُرِيدُ تِلْكَ الدَّارَ التي قَالَ اللهُ تعالى في نَعِيمِهَا: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
وَالتي قَالَ عَنْ أَهْلِهَا: ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ﴾.
نُرِيدُ تِلْكَ الدَّارَ التي لَا يَمْرَضُ فِيهَا أَهْلُهَا، وَلَا يَحْزَنُونَ، وَلَا يَمُوتُونَ.
فالْجَنَّةُ حَيَاةٌ لا مَوْتَ فِيهَا وَشَبَابٌ لا هَرَمَ بَعْدَهُ وَصِحَّةٌ وَسَعَادَةٌ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “يُنَادِي مُنَادٍ: إِنَّ لَكُمْ أَنْ تَصِحُّوا فَلَا تَسْقَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَحْيَوْا فَلَا تَمُوتُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَشِبُّوا فَلَا تَهْرَمُوا أَبَدًا، وَإِنَّ لَكُمْ أَنْ تَنْعَمُوا فَلَا تَبْأَسُوا أَبَدًا”، فَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: (وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
تِلْكَ الدَّارَ التي فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، نَعِيمٌ دَائِمٌ، وَحَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ لَا مَوْتَ فِيهَا. جَاءَ في الحَدِيثِ الشَّرِيفِ الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ: «يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ: يَا ابْنَ آدَمَ، هَلْ رَأَيْتَ خَيْرَاً قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللهِ يَا رَبِّ؛ وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسَاً فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً فِي الْجَنَّةِ، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسَاً قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، وَاللهِ يَا رَبِّ مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ».
إِذَا عَلِمَ الإِنْسَان أَنَّ اللهَ قَدْ أَعَدَّ لَهُ دَارَاً فِيهَا كُلُّ مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيَنُ، تَوَلَّدَتْ عِنْدَهُ الرَّغْبَةُ الصَّادِقَةُ فِي أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْجَنَّةِ، فَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا فَقَامَ بِالْوَاجِبَاتِ وَتَرَكَ الْمَعَاصِي وَالْمُحَرَّمَاتِ، فَكَانَ مِنَ الْمُتَّقِينَ الذِينَ يَسْتَحِقُّونَ بِفَضْلِ اللهِ دُخُولَ الْجِنَانِ وَالْفَوْزَ بِجِوَارِ الرَّحْمَن.
علينا أن نَعْمَلَ صَالِحَاً لِتِلْكَ الدَّارِ، لَعَلَّ اللهَ تعالى أَنْ يَغْمِسَنَا غَمْسَةً في نَعِيمِ الجَنَّةِ تُنْسِينَا شَقَاءَ الدُّنْيَا وَبُؤْسَهَا، لَعَلَّنَا نَفُوزُ بِقَوْلِهِ تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ﴾.
وَأَوْصَافِ الْجَنَّةِ التِي جَاءَتْ بِهِ الأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ الصحيحة تَصْعُبُ الْإِحَاطَةُ بِهَا ، وَلَكِنَّ مَا لا يُدْرَكُ جُلَّهُ لا يُتْرَكُ كُلُّهُ، فَهَذِهِ شَذَرَاتُ مِسْكٍ وَنَفَحَاتُ طِيبٍ فِي وَصْفِ الْجِنَانِ، جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنْ أَهْلِهَا…
َأَمَّا الْوَصْفُ الْعَامُ لِنَعِيمِهَا فَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى- فِيهِا (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ-، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: “قَالَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: أَعْدَدْتُ لِعِبَادِيَ الصَّالِحِينَ، مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ” (رَوَاهُ مُسْلِم).
وَأَمَّا عَرْضُ الْجَنَّةِ فَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، فَهَذَا الْعَرْضُ فَكَيْفَ بِالطُّولِ؟
وَأَمَّا بِنَاؤُهَا فَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللهِ، الْجَنَّةُ مَا بِنَاؤُهَا؟ قَالَ: “لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ، وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ، وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ” (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ).
فَإِنْ سَأَلْتُمْ عَنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ؟ فَإِنَّهَا ثَمَانِيَةٌ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: “فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ، لاَ يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ” (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَأَمَّا أَنْهَارُهَا فَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ).
وَأَمَّا مِقْدارُ مُلْكِ الْمُؤْمِنِ فِيهَا فَلا يَعْلَمُ عِظَمَهُ إِلَّا اللهُ، وَقَدْ جَاءَ وَصْفُ مُلْكِ آخِرِ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، فَعَنِ الْمُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: “سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ، مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ، وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ” (رَوَاهُ مُسْلِم).
وَأَمَّا صِفَاتُ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَهُمْ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْهَيْئَةِ وَالطُّولِ وَالْحُسْنِ وَالْجَمَالِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ أَوَّلَ زُمْرَةٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وَالَّذِينَ يَلُونَهُمْ عَلَى أَشَدِّ كَوْكَبٍ دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، لَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ وَلَا يَتْفُلُونَ، أَمْشَاطُهُمُ الذَّهَبُ وَرَشْحُهُمُ الْمِسْكُ، وَمَجَامِرُهُمُ الْأَلُوَّةُ، وَأَزْوَاجُهُمُ الْحُورُ الْعِينُ، أَخْلَاقُهُمْ عَلَى خُلُقِ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى صُورَةِ أَبِيهِمْ آدَمَ سِتُّونَ ذِرَاعًا فِي السَّمَاءِ” (رَوَاهُ مُسْلِم).
وَأَمَّا وَصْفُ زَوْجَاتِهِمْ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فقَالَ اللهُ -تَعَالَى- عنها: (وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ)
وَقَالَ -تَعَالَى-: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا)،
وَقَالَ -تَعَالَى-: (فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ).
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “لَرَوْحَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ غَدْوَةٌ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَقَابُ قَوْسِ أَحَدِكُمْ مِنَ الجَنَّةِ، خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ اطَّلَعَتْ إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ لَأَضَاءَتْ مَا بَيْنَهُمَا وَلَمَلَأَتْهُ رِيحًا، وَلَنَصِيفُهَا عَلَى رَأْسِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا” (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَأَمَّا طَعَامُ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَشَرَابُهُمْ، فَقَدْ قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَالٍ وَعُيُونٍ * وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)،
وَعَنْ جَابِرٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يَقُولُ: “إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَأْكُلُونَ فِيهَا وَيَشْرَبُونَ، وَلَا يَتْفُلُونَ وَلَا يَبُولُونَ وَلَا يَتَغَوَّطُونَ وَلَا يَمْتَخِطُونَ” قَالُوا: فَمَا بَالُ الطَّعَامِ؟ قَالَ: “جُشَاءٌ وَرَشْحٌ كَرَشْحِ الْمِسْكِ، يُلْهَمُونَ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ، كَمَا تُلْهَمُونَ النَّفَسَ” (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وَأَمَّا أَعْلَى نَعِيمُ الْجَنَّةِ فَهُوَ رُؤْيَةُ اللهُ تَبَارَكَ وتَعَاَلىَ وَمُحَادَثَتُهُ وَحُلُولُ رِضْوَانِهِ عَزَّ وَجَلَّ، قَالَ اللهُ -تَعَالَى-: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ).
وَعَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قال: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، فَقَالَ” “أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لَا تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلَاةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَقَبْلَ غُرُوبِهَا” (رَوَاهُ مُسْلِمٌ).
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إِنَّ اللَّهَ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- يَقُولُ لِأَهْلِ الجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الجَنَّةِ؟ فَيَقُولُونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ، فَيَقُولُ: هَلْ رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لاَ نَرْضَى وَقَدْ أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَنَا أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، قَالُوا: يَا رَبِّ، وَأَيُّ شَيْءٍ أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلاَ أَسْخَطُ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا” (مُتَّفَقٌ عَلَيْه).
مَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ؟
إذا أردت أن تعرف ما يقربك من الجنة فاستمع لهذا الحديث روى مسلم عن أَبي أَيُّوبَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ – أَوْ بِزِمَامِهَا (أي بالحبل )ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ – أَوْ يَا مُحَمَّدُ – أَخْبِرْنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِنَ الْجَنَّةِ، وَمَا يُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ، قَالَ: فَكَفَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ وُفِّقَ، أَوْ لَقَدْ هُدِيَ»، قَالَ: كَيْفَ قُلْتَ؟ قَالَ: فَأَعَادَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، دَعِ النَّاقَةَ» رواه مسلم
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ؟ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» رواه مسلم
فعليكم بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصلة الأرحام وإفشاء السلام تدخلوا الجنة بسلام . فَاللَّهُمَّ أعنا على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ فَاللَّهُمَّ ارْزُقْنَا الْخُلْدَ فِي جِنَانِكَ، وَأَحِلَّ عَلَيْنَا فِيهَا رِضْوَانَكَ، وَارْزُقْنَا لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى ِلَقائِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلا فِتْنَةٍ مُضِلَّة. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ أهل الجنة . آمين يا رب العالمين
.محمد سعيد أبوالنصر