بيت الأدباء والشعراء

فراش الطاغيه

قراءة متأنية
في
رواية « على فراش طاغية »
للأديب / هشام فياض
بقلم الناقد/ محمد البنا
…………
بادئ ذي بدء تهنئة مباركة للأديب المصري الإيطالي هشام فياض لاصداره هذه الرواية.
هذه ثاني رواية أقرأها للأديب اللامع، وكانت الأولى روايته « عندما يعتذر الشروق »
الرواية من حيث التصنيف تعتبر رواية إجتماعية لا تخلو من بعض الاسقاطات السياسية، فبدءًا من سطرها الاول وعدسة الكاميرا لا تفارق البطل ( وسام ) تلاحقه وترصده أينما ذهب، والكاتب لم يغفل حتى عن وصف هيكله العظمي، وتكوينه الجسدي، فبدأ للمتلقي كائنًا بشريًا واضح الملامح، كشمسٍ في سماءٍ بلا غيوم.
سرد سريع الإيقاع كما الحياة نفسها، ووسام كحصانٍ جامح لا يوقفه شيء.
سطور تنبض حيوية تئن وتنبض، وكلماتٌ تبكي وتفرح.
ذكّرتني الرواية في سرعة ايقاعها، بفيلم فرنسي للممثل الآن ديلون ( الرجل السريع )، فها هو البطل المأزوم الذي يدرك كل من حوله تأزمه إلا هو !
يمضي في طريقه رهوانًا، لا يلوي على شيء، ولا يعبأ أين يضع قدميه، وإن زلّتا تعرف طريقها إلى ملاذه الحاضن لزلاته، والمؤتمن على أسراره، ومنقذه الوحيد من مغبات كوارثه…علياء…مديرة مكتبه وأمين أسراره وعشيقته الأبدية.
وسام…شخصية مركبة جمعت بين العديد من المتناقضات، نراه مناهضًا شرسًا لاتفاقية السلام المزعوم والمسماة اتفاقية كامب ديفيد، وفي نفس اللحظة نراه أبًا لطفل يهودي من زوجة إسرائيلية.
كأنما يريد تأكيد هويته العربية الإسلامية، ومن جهة أخرى نراه زير نساء، ينتقل من غصن إلى غصن، كما ينتقل الفراش من زهرة إلى زهرة.
كل النساء في عينيه جميلات، ومرغوبات، فكل امرأة تتميز بصفةٍ محببةٍ يعشقها، استلطافًا في قلبه، وشهوةً في بدنه، فيهيم بها ويمتص رحيقها.
يهاجم الفساد والفاسدين، متغافلًا انه احدهم!، وأن اختلفت الأقنعة، وبشريًا كأي بشري، ليس ملاكًا خالصًا، وليس شيطانًا أيضا.
تنتابه لحظات ضعف، هكذا طبيعة من خُلق في وهن، بشري يقفز من مشكلة إلى أخرى، وهكذا من خُلق في كبد.
نموذج بشري شديد الوضوح كشمسٍ مشرقة، ومعتمٌ كليلٍ حالك.
ولأنه زير نساء، كان لزامًا أن تحتشد النساء في أحداث حكايته، ولكلٍ منهم دورها – المرسوم بعناية فائقة – في تدفق الأحداث تتابعيًا وتدويريًا، عدا واحدة سارت متلازمة نفسيًا وعضويًا في خط مستقيم موازي لمسيرة بطل الاقصوصة منذ السطور الأولى وحتى السطور الأخيرة، إن اهملتها السطور ظاهريًا، نراها ف قلب الحدث وفي قلب بطله..علياء.
علياء..السند والصدر الحنون..امًا تحنو وتهدهد، ومديرة مكتبه.بل لن نبالغ إن قلنا مديرة حياته، وكاتم أسراره وخلال مشاكله، وجسدًا يرويه كلما استبعد به العطش.
علياء…المرأة الوحيدة في الرواية التي بدت مصرية حتى النخاع، مصرية في حنانها، مصرية في اخلاصها، مصرية في ذكائها، ومصرية حتى في عشقها.
برع الكاتب في رسم شخصيتها بريشة فنان، وبقلم مبدع، فأحياها تمشي أمام اعيننا على قدمين فوق السطور.
ومن ثم عمد الكاتب إلى تحجيم الأخريات، وتفاوت التحجيم بين قوةٍ وضعف.. فبُهتت شخصيات مثل نادين وراشيل وريحانا وريانا، وقويت شخصيات مثل سلمى وروكسانا.
برع الكاتب في تركيزه الشديد على متلازمة وسام وعلياء، فبديا كرجلٍ وظله..أينما ذهب يتبعه.
اللغة سهلة وبسيطة، عابها بعض العوار في تراكيب بعض الجمل، كما عابها ايضًا إهمال الكاتب للحوار الثنائي، واستعاض عنه بالحوار الذاتي.
بدت كل الشخوص الذكورية اشباحًا ضعيفة قليلة الحياة والحركة داخل المتن الروائي، تظهر وتختفي دونما اثرٍ يذكر، بدءًا من وليد وانتهاءً بالحفناوي.
الرسائل تجاوزت المراد منها، فشكلت عبئًا على التدفق السردي في عدة مناطق، وغاب عن بعضها الطغاة!
الحلول الجاهزة ( الموت مثلا ) للتخلص من عقدةٍ ما، غير مستحب في القص ما لم يمهد له بمتطقية مقبولة.
في المجمل…نحن بين يدينا رواية جيدة وجميلة، تستحق القراءة بغض النظر عن ارائها السياسية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: