بيت الأدباء والشعراء

قراءه تحليليه لنص. دموع. السيلكون

قراءة سريعة لنص
« دموع السليكون»
للرائع/خالد العجماوي
رؤية تحليلية ل/ محمد البنا
…………

بعد ان قرأت النص-وللحقيقة اقول واثناء قراءتي له- ساءلت نفسي..لم لم يفز نص كهذا بالمركز الاول في مسابقة ما، بل وفي اي مسابقة يتسابق فيها؟..ما العوار فيه؟..واي نقيصة شابت متنه؟..ما دعا محكم او محكمون الى خصم درجات معتبرة اثناء تقييمه!.. ولأسفي الشديد لم أجد إلا ما قاله بعض المستشرقون عنا نحن العرب- انظر المقالة المدونة للصديق احمد أحمد عثمان..ها هنا – اننا محدودو أفق التخيل، نص في منتهى الذكاء بل والحذق والمهارة، وان جاز لي ان اقول منتهى الخبث بمعناه الشائع، فقد القى بكرات لهب مضيئة- وليس قبس من ضوء – في آتون قذارة مجتمعية يكسو سطحه بعض طين يحجبها، ففجرها…انتبهوا يا سادة..الزمان يضيق بكم ويتأفف منكم، لم تعد القيم والتقاليد قيمًا وتقاليد، ستتحولون عما قريب الى نماذج من مادة مطاطية، رجل ثري لم يجلب له ماله سعادة ولا راحة، فقير لا يجد قوت يومه وعياله، الشرطة تحرس من يملك اجرها، رويدًا رويدًا لن تجدوا اصدقاء مخلصين، ولن تجدوا زوجات اوفياء، والبديل صديق مصمت صامت، وعاهرة من سيلكون، هذا مصيركم فاحذروه، تحرروا كما تحرر عنتر من ربقة جلوسه الابدي، فخلع ربقة الاسر وتعالت قهقهاته، فهو لن يٌباع لانه اصبح اخيرًا حرًا، اصبح انسانًا بحق.
تحرري ايتها المرأة فما خُلقتي لتكوني وعاء وفقط!..أنت عقل يفكر ويدبر ولست خادمة فراش، كوني ندًا لشريكك الرجل لا جارية له…الرجل لم ينفعه ماله حينما فقد من حوله آدميتهم، ففقد هو الآخر آدميته بصورة من الصور، وتحول الى دمية تعاني الوحدة فآثر التصادق مع دمى حقيقية يأمن شرها وتقلباتها، لكنه ما زال به بعض من بشرية، أنقذته ولو قليلأ فانقذ لصًا من قبضة شرطي مبرمج…تحرروا..تحرروا.
نص قصصي بامتياز ينتمي لنوعية البلاك كوميدي او الكوميديا السوداء، أجاد كاتبه اختيار كلماته الدالة المعبرة بجلاء عما يرومه من نصه ( اشترى/ باع / دمى / شحن / بطارية….) حيث تمكن بهذه الكلمات الدقيقة أن يخلق جوًا مصاحبًا ومؤثرًا بقوة في نفسية المتلقي عن العصر وماديته المقيتة، وأشاع في نصه روح التأفف والامتعاض، بل والكراهية ايضًا في وجدان بعض قارئيه، وأشعل كرة لهب ألقى بها وبقسوة وإصرار في وجوه دافني الرؤوس في الرمال، صارخًا فيهم بقوة..هذا أنتم وهذا مآلكم إن لم تستيقظوا من غفلتكم.
الشخوص منتقاة بعناية وقصد، لتمثل كافة شرائح المجتمع( الرجل الثري / الصامت عنتر / خادنة الفراش / الشرطي المبرمج / الفقير اللص الشريف / الرجل الغربي)
المكان..فيلا بحديقتها وغرفها
الزمان..موحى به ليلا
الحدث..لص معوز ، وشرطي يقبض عليه
هذا في ظاهر النص، أما في باطنه فحدث ولا حرج، ولعل من بينها كما أرى..كرة لهب أُلقيت في آتون قذر مجتمعي، بفطرته في وجوهنا نحن المتلقين، ولن نخرج بطبيعة الحال عن النماذج المنتقاة لتمثل واقعنا المزري، فأيٌ منا سيجد في نفسه واحدًا من شخوص هذه القصة، عدا بالطبع الدمية الأخيرة المشتراة حديثًا..الرجل الغربي، وما أجد فيه إلا إشارة سيميائية قاصرة، اقتصرت على ضلع واحد إلا وهو الدالة وتركت المدلول والصورة لمخيلة كل متلقي وفق هواه، وعن نفسي أراه ساخرًا ساخرًا..من مدعي الثقافة والتشبه بالغرب، فما أخذوا منه إلا قشوره، واهملوا ما عداه من فكر مستنير وتقدم مجتمعي، وفي إشارة أخرى إلى الانجراف المبالغ فيه بالثقافة الغربية والتحقير الشديد لقيمنا وتقاليدنا الشرقية، بل والتجاسر على ديننا الحنيف.
جاء الغربي فانقلبت الأمور رأسًا على عقب…دمية لم تشحن بعد!!..وي كأن الكاتب يريد أن يقول ساخرًا…أهذا ما ترونه ينقصنا حتى يتحسن حالنا ؟!!
محمد البنا ..21/11/2019
………..
النص
………..

#دموع_السليكون

اشتريت صديقا جديدا اليوم. والشحن سيكون غدا. يالسعادتي!
كيف سأفسر الأمر لعنتر، وكيف سأسرد الأمر لهُيام؟ ترى سأرى نظرة الغيرة في عينيه، أم ستتجاهل هيام صديقنا الجديد؟ اشتريته اليوم بعد أن وجدت عرضا لا يمكن مقاومته. تم خفض السعر بنسبة سبعين بالمائة، كما أن بطاريته تعيش لأكثر من أسبوع. هذه المرة اخترته مختلفا عن عنتر كثيرا. اخترته أبيض بعينين خضراوين، وشعر يميل إلى الصفرة، بأنف حاد ودقيق. لا عنتر يختلف. كنت قد اشتريته من سنة. إنه يشبهني؛ خمري، بشعر أسود مجعد، وجسد مترهل، وبطن مكور. هكذا اخترته وقتها كي يكون صديقي الصدوق. صراحة خفت أن أختار صديقا وسيما. كنت أغار على هيام! اشتريت هيام من سنتين. أي أنني عشت معها عاما تقريبا وحدنا. تلك العاهرة! اخترتها من بين عشرات الدمى. كان المتجر يعج بمثلها ولكن باختلاف الملامح، واختلاف اللغات، والنظرات، والتأوهات.
لا أدري؛ ولكنني اخترتها بملامح آسيوية. لم أخترها شقراء، ولا حتى بملامحنا العربية الشقية، أو الإسبانية المحببة. هل لمعلومة داخلي بأن الآسيويات يقدسن رجالهن؟! ربما.
ولكن ما الذي دفعني لاختيار صديق جديد، بملامح غربية ك”جون”؟ هل أردت أن أستثير الغيرة في قلب عنتر؟ وهل يغار؟ أم أردت أن أثير رغبة هيام؟ ألا أغار أنا عليها؟ أليست صديقتي؟
دفنت في رأسي أفكاري، وأنا أدلف إلى غرفة المعيشة. غرفة الاجتماع خاصتنا: أنا وعنتر وهيام.
يجلسان على الأريكة كعادتهما كما تركتهما منذ ساعتين. يحدقان فيّ.. أو بالأحرى، يحدقان في مدخل الغرفة الذي دخلت منه. جلست على الكرسي المقابل. لم يزالا يحدقان هناك..نحو المدخل!
أشعلت سيجارتي. نفتث دخانها فبدا لي كسحابة تنطلق في الهواء، كي تستنطق فيّ ما بداخلي من أخبار.

– عنتر..هيام ..لدي خبر سار. لقد اشتريت صديقا جديدا اليوم. والشحن غدا!

لم يبديا حماسة. بل لم يبديا أي حركة.

– أسميته جون. نعم اخترته انجليزيا.

نظرت إلى عنتر وأردفت ساخراً:
– ليس مثلنا يا عنتر. هو وسيم.
لم يبد عنتر أي حركة. نظرت إلى هيام. استطردت:
– سأسمح له بمضاجعتك يا هيام. إن أردتِ.
أخيرا توجهت إلي بعينيها. بعينيها فقط دون وجهها. قالت :
– أحبك!
وجدتني أضحك، وأضحك حتى السعال. نسيت أنها لا تعرف غير هذه الكلمة..هكذا هي برمجتها، ولذلك اشتريتها. عشت معها عاما كاملا، تسمعني هي كلمة الحب الآلية هذه، وأفرغ أنا فيها ليلا بعد يومي الطويل. أذكر أنها كانت باهظة الثمن. كانت وقتها آخر الإصدارات. اليوم صارت دمية قديمة. صار ثمة الأحدث والأجمل. الإصدارات الحديثة بشرتها أكثر نعومة وصفاء. لا أدري ولكن يبدو أن خام السليكون صار أكثر جودة اليوم! نظرت إلى عنتر وأنا أنفث دخانا في الفراغ.
لم تبد أي مشاعر تجاه هيام يا عنتر. لم ألمحك يوما تنظر إليها ولو حتى خلسة. ألستَ رجلا؟ ألا تعجبك؟ لا أدري لم اشتريتك يا هذا. لماذا لم أشتر دمية أنثى أخرى، فيكون لدي صديقتين؟ أفرغ في الآسيوية يوما، وفي الأوروبية آخر؟ لماذا اخترتك يا عنتر؟ يا خبيث! لست من أولئك يا كلب.
أتدري؟ كنت أحتاج صديقا أحاوره. لكنك خذلتني!
شعرت بغضب يعتريني فجأة. غضب مشوب بشهوة. أمسكت معصم هيام في قوة. تأوهت بدلال. حملتها إلى غرفة النوم. و خلعت عنها قميصها. قالت إنها تحبني، ولجت فيها بقوة، صارت تتأوه. وأنا أصعد حتى وصلت إلى ذروتي.
تركتها وأنا ألهث. أدرت وجهي إلى الجهة المقابلة وقد استكانت في أعضائي، وأفكاري. غلبني النعاس. وجدتها تربت على شعري، تنظر إلى عيني، تبتسم لي، تقبلني، تعدني بوعود..

طقطقطق…ترررررررررنننننتن..
رن جرس الباب في قوة.
ما هذا؟ أفقت مذعورا. استدرت لأجد هيام في مكانها بجانبي لا تتحرك كتمثال. رن الجرس مرة أخرى ولكن أكثر إلحاحا. تراه جون قد قرروا شحنه اليوم؟
ارتديت ملابسي وأنا أصرخ فيمن هو خارج أن تمهل يا هذا.
فتحت الباب لأجد ضابط البوليس يمسك أحدهم من قفاه.
– نعتذر لإزعاجك يا سيد. ولكننا وجدنا ذلك السارق داخل حديقة منزلك، وهو يهم بالدخول من نافذة المطبخ لديك..
لم أستوعب كلامه. دعكت عيني أنفض منها بقايا النعاس. قال:
– أرجو أن تتأكد أنه لم يسرق منك شيئا يا سيد، قبل أن أصطحبه إلى القسم.
جان فالجان! لا أدري ولكنني تذكرت جان فالجان. وتذكرت ذاك الراهب في رواية البؤساء. رأيتني أتمثله. قلت للضابط مصطنعا براءة وعفوية:
– ماذا ؟ هل قلت سائق ؟ إنه صديقى!
نظر إليّ الضابط في اندهاش، كما نظر إليّ السارق المزعوم ذاك وقد فغر فاه. ابتسمت أنا إليه وقلت له في تودد:
– تفضل يا صديقي. عشاؤك جاهز.
بدا على الضابط الاستنكار. قلت في حزم:
– الرجل صديقي. وقد حاول أن يتصل بي مرارا ولكني كنت نائما. لذلك حاول الدخول من المطبخ كي يطمئن علي. لا عليك أيها الضابط. أرجو أن تترك صديقي ليتعشى معي الليلة.
تأفف الضابط وقد بدوت له سخيفا. نظر إلى السارق نظرة ملؤها احتقار، ثم قذف به من قفاه إلى داخل منزلي، وذهب.
صار السارق داخل منزلي!
ابتسمت له. نظر إلي في تردد، وفي يده رعدة خفيفة، تشي بما فيه من ترقب وخوف.
أشرت إليه بالدخول. دخلنا إلى غرفة المعيشة. تركته وذهبت لأحضر العشاء. منذ فترة طويلة لم أحضر العشاء!
عشاء لشخصين!
عنتر وهيام يعملان بالكهرباء..أما أنا فأحتاج إلى طعام. تماما كضيفي الجديد ذاك.
دلفت بالصينية داخل الغرفة. بدت لي غريبة. كأن عنتر وهيام لا ينظران إلى المدخل. عجبا! أذكر أن هيام كانت في غرفة النوم فكيف أتت إلى هنا؟ وجدت الغريب يرتعد. وضعت الطعام أمامه وأشرت إليه أن يأكل. تردد قليلا. شجعته بابتسامة ود. رأيته يهجم على الطعام كقط جائع. كان يلتهم الطعام التهاما. رأيتني أتأمله. ثم أدرت بصري إلى عنتر وهيام. كانا يتأملان!
انتهي الغريب من الطعام. سألته إن كان يريد المزيد فهز رأسه نافيا. نظر إلي بامتنان عجيب، ثم انفجر باكيا!
بكاء!
لا أذكر أني رأيت أحدهم يبكي منذ سنوات. أن تغرورق العين بالدموع. أن يفيض الحزن. أن يغزونا الشعور. تأملته. ولمحت بعيني عنتر وهيام. بدا لي أنهما كذلك يتأملان!
بعد أن أنتهى. قال بصوت مكسور:
– أولادي لم يذوقا طعاما منذ أمس. يقرصهم الجوع. اعذرني يا سيد. لم أكن أعلم أن في مثل تلك المدن المغلقة التي تسكنها أناسا طيبين مثلك.
نظر إلي بعينين حمراوين من أثر العبرات. أردف:
– ننظر إلى مدنكم ذات الأسوار العالية فنتخيلها جنة من تحتها الأنهار. غير أنها لا يسكنها إلا المترفون الحرامية الذين يسرقوننا نحن الفقراء يا سيد. سامحني.
لم أدر ماذا أقول. سألني أن ينصرف إلى عياله. ماذا أهديه؟
نظرت إلى عنتر. قلت:
– خذ هذه الدمية.
– ماذا أفعل بها؟
– بعه. هو يساوي الكثير.
– دمية تساوي الكثير؟
– في المدن ذات الأسوار نحتاج إلى الدمى.
أمسكت بعنتر. جعلته يقوم. وجدته يقوم بسهولة. وجدت بطاريته مشحونة. أسلمته إلى الغريب.
نظر إليّ بامتنان. حتى عنتر شعرت وكأنه ينظر إليّ بامتنان.
خرج كلاهما من المنزل. شاهدتهما من النافذة. كأن عنتر يضحك. كانا يتمازحان. كان عنتر يقهقه وهو يقذف بطاريته بعيدا، وصوت ضحكاتهما يرن في فراغ الأثير. استدرت نحو هيام. وجدت عينها تفرز دمعة ساخنة، تكاد تحفر خدها السليكون!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: