مقالات

المحترف الهاوي

حوار مع موظف

 

يوما ما و جدتني في حوار مع موظف في أحد الشركات الخاصة رأيت في ملامحه مزيج من الضيق و الغضب و عدم المبالاة ..كنت أغبطه على منصبه  و مرتبه القارين ، حوار انغمس فيه صاحبنا و أسهب في حديث أشبه ما يكون للفضفضه و قد أستوقفني فحوى  بوحه و كان منه ما يلي:

في مسيرتي الدراسية التي امتدت -شأني في ذلك شأن أمثالي ممن سلكوا ذات المسار – سنوات طوال أبتلعت أيام طفولتي ثم فتوتي ثم قسطا كبيرا من شبابي ، ظل سؤال واحد يطرق باب عقلي كلما أستعصت علي مسألة أو تعرضت فيها لحيف ظلم عقلي وحجم وعيي ..ما الجدوى من تكرار قواعد و منهجيات طالما أن هناك وسائل أخرى للوصول إلى ذات النتيجة؟ لماذا يتم حشر عقلي في قالب صعوبته  في كونه غير مناسب لقدراتي ؟ قدرات قد تتلاشى أو تنكمش الكثير منها بسبب غض الطرف عنها من أولياء الأمور أو المعلمين … عندما كبرت و تخرجت وبذلت الجهد الجهيد من أجل الوظيفة المنشوده وجدتني في روتين لم أفهم جدواه ، يستل طاقتي و حماسي و أنا شاب في مقتبل الثلاثين ، وقد اصبحت بارد المشاعر منطفيء الحماس واغتربت عما كنته في عشرينياتي؟؟

تركت حواري مع هذا الموظف محملة بزوبعة من الأسئلة..

أيجب أن نبقى قابعين في قوالب محدودة ، لنصل الى نتيجة اعتيادية ؟ معايير محددة ومآرب نسمى بكسبها ناجحين ، وإلا نصنف في زمرة الفاشلين..نعرق ونتعب لنخطب ود الحياة الدنيا كي تنعم علينا ببعض غرورها..ثم ماذا؟ أيجب ان نركض داخل عجلة صنعها اخرون لتولد نورا يضيء لآخرين؟ وعند نفاذ صلاحيتنا نرمى كأعقاب سجائر او كوثيقة قديمة في ارشيف ..او كخردة وسط المتلاشيات.. متى نتذوق ايامنا و ننعم بعطرها قبل ان يتبدد و يتلاشى ؟ متى نكون حقيقتنا ونصنع مجدا يتجدد ما تجددت انفاسنا لا يحتاج لجهة تصادق عليه او تعترف به ، لا يخضع لمزاج احد ولا لقالب معتمد ، متى نطلق صراح روعتنا الداخلية وانوارنا العميقة… إن بداخل كل واحد منا أنوار تتوقد منذ طفولته ، جمالا وعطاء وتميزا ونبوغا ، لكل منا جمال يولد معه ، سواء كان موهبة ، أو تميز في مجال ، حيث يجد كل شخص ذاته ومتعته فلا يستثقل الإنهماك فيها ، ولا يجد ضيقا في طول ساعات العمل بها.

عندما نحترف هواياتنا نبدع وننتج ونتميز ، بينما عندما نضع أنفسنا في قوالب مغلقه نقع في فخ التكرار و الروتينية ،وعدم الجدوى.

من أجل ذلك يجب ترسيخ فكرة  (الهاوي المحترف) و البحث عن التميز لدى كل طفل أو شاب و تتبعها من طرف الأسرة أولا ، و المؤسسات و شتى المهتمين بمستقبل الطاقات الواعدة.

لماذا لا نصنع جيل من الهواه المحترفين ، المدفوعين بقوه الحب  لمايفعلون نحو الاتقان و الإبداع ..لا بقوة العقاب و الألم…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

%d مدونون معجبون بهذه: