
بيت الأدباء والشعراء
كشف المستور
كشف المستور
في نص « عشق »
المبدعة ام عمر
……..
يحق لنا أن نختلف في تذوقنا للأشياء عامة، والفن خاصة، والفن السردي خاصة الخاصة، فالقارئ الذي تعجبه الواقعية يكره الرمزية، والذي يعشق الفانتازيا لا تستهويه الرومانسية، لأننا بشر ولكلٍ منا تذوقه الخاص به، والناقد بشريٌ أيضًا يعجبه ولا يعجبه، ولكنه عندما ينقد لا يقف عن إعجابه من عدمه فحسب، لأنه بشريٌ يملك أدوات خاصة تحددها معايير خاصة وأسس خاصة، ومقاربة خاصة أيًا كانت المدرسة النقدية التي ينتمي إليها، فالمدارس النقدية وكذلك الأدبية اتفقت في الأصول وتباينت في الفروع.
أقول هذا كمقدمة أراها ضرورية لمن شاء أن يفهم.
نصٌ كهذا الذي بين يدينا ومعنونٌ ب عشق..نص اجتمعت فيه عناصر القص الستة
المكان..بيت وشارع
الزمان..ذات صباح
الشخوص..رجل ورجال وشجرة ومنشار وعربة.
الحدث..اجتثاث شجرة
المعالجة..عشق وأُنس واستغاثة
الخاتمة..اتحاد وتوحد.
ومن حيث المفهوم العام للقصة..فله بداية…إطلالة يومية
وله تنامي..جلبة وضوضاء
وله ذروة…اجتثاث واستغاثة وهلا
وله انخفاض وتيرة…سحل وتناثر
وله خاتمة…إحلال وتوحد.
نص..تصنيفه قصة قصيرة كما أسلفت وبيّنت، وينتمي لمدرسة الواقعية السحرية، حيث أبان شخوصه بشري وحامد
يعشق وترويع، تستغيث فيحاول إنقاذها.
بشري وشجرة تربطهما علاقة وجدانية، متبادلة وعميقة وممتدة امتداد جذورها وذكريات الرجل، فهى ما تبقى له بعد رحيل الأهل والصحية، فعاشت له أهلًا وأصحاب، هى أنيسه وهو راعيها، هى نادمه وهو ساقيها.
من لا يعرف يجهل ومن يجهل لا يفتي، فالناقد مهمته كشف المستور وما لمّحت له العبارات، وما خفىّ بين السطور، الناقد مهمته فك شفرة النص، يُقيّم ويحلل…لا أن يقول أعجبني او لم يعجبني ويصمت.
نص حوى بين ضفتيه دموعًا وزقزقة عصافير، وجلبة ضوضاء، وفلسفة حياة، ورمزية.
الشجرة..الأم والأب والأهل رحلوا لكنهم عاشوا في شجرته
الرجل..هو كل من بقى حيًا لها بعد أن رحل الجميع
النافذة..إطلالة مشرقة وعينيّ أنيس تطرب لرؤيته
المنشار…اجتثاث وصوت قبيح ورمز لحداثة لا ترحم، حداثة تجتث التاريخ وتسحله عربة.
إنبات…أمل في غدٍ مشرق…قمة الفانتازيا في المشهد الأخير، علّها تنبت أوراقا…أي عشقٍ هذا!، وأي توحد!
……….محمد البنا …28/10/2019
……ّّّّّّ
النص
عشق
أيقظته أصوات العصافير المختلطة بحفيف أوراق الشجرة، فتح عينيه في تثاقل، حاول أن يملأ صدره بالهواء فصفع رئتيه ببرودته فأخذ يسعل في قوة، أزاح الغطاء بصعوبة، وجلس على حافة السرير، تدلت قدماه، فصرخ كعباه ألمًا، نظر إليهما بشفقة وربت على ساقيه بحنو، نهض بصعوبة وسار متجهًا للشباك وفتحه بلهفةٍ ليُصَبح على حبيبته، نظر لها بسعادة وهمس متغزلًا:
صباحك سكر، استنفذت الأيام عمري، وأكل المرض جسدي وأنتِ كما كنتِ دومًا تزدادين جمالًا وطولًا يومًا بعد يوم، مر شريط عمره سريعًا أمامه وهو يتأملها.. ولد، تزوج، وشاخ في هذا البيت أمامها، رحل عنه أحبته بالموت والسفر والانشغال، وظلت هي تؤنس وحدته، نظر إليها وإلى ذكرياته المنحوتة على قدها وملامحها في رضا، أغلق الشباك وأغلق معه ألبوم ذكريات الحي.
في اليوم التالي بدأ يفيق كعادته منتظرًا صوت حبيبته، تمزق قلبه رهبًا لسماعه صوتًا مرعبًا، نهض بشكل فجائي فشعر بدوار شديد، مد يده في الهواء محاولًا الإمساك بأي شيء، قاوم عجزه وقام مرتعبًا من صوت المنشار الكهربائي، فتح الشباك، احتبس صوته وهو يرى عمال البلدية يذبحونها، لم يسمع أحد صرخاتها الملتاعة المستجدية، لم يدر كيف دبت الحياة في رجليه فجرى نازلًا السلم دون خوفٍ من سقوط، وصل الشارع ليرى الجرح النازف في مكانها الفارغ، و العصافير المضطربة في السماء فزعةً صارخةً تبحث عن أعشاشها، طفرت دموعه وهو يرى ذكرياته تتساقط وتتشابك مع أوراقها المتناثرة، نظر إليها وهي تبتعد مسحولةً خلف عربة البلدية صارخةً عليه بحفيف فروعها المتشبثة بلأرض.
مسح عينيه.. وتوجه لبقايا الجذع النازف.. وقف فوقه في ثباتٍ متخشبًا، رافعًا ذراعيه في الهواء ممددًا أصابعه، متطلعًا رأسه للسماء.. أغمض عينيه، وانتظر.. علّ أوراقه تنبت من جديد.
قصة بقلم أم عمر