
بيت الأدباء والشعراء
طواف في. مشاهد
طواف
في
مشاهد من ذاكرة سوداء
…….
تتنوع عدسة التصوير الادبي، ولعل أبسطها عين الكاميرا الصماء، ولكن من المؤكد الذي لا يساوره أدنى شك، أن عدسة التصوير النفسي هى الأصعب.
يحاذر الكثير من المبدعين تناول هذه النوعية في كتاباتهم السردية، فما بالنا باقتحامها، وليت الأمر اكتفى بتناول الأبعاد النفسية لشخصية واحدة، بل تجاوزها إلى أربع شخصيات ظاهرة وملموسة، وشخصية ضمنية لم يرد ذكرها في متن النص إلا مذيلة بضمير الغائب، لكنها محور النص وعقدته وحديثه الرئيس.
المشهد الأول:
تسمع خطوات تقترب/ تتكوم كجنين/ يلمسها الزوج / ترتجف وتنتابها حالة هياج / تهدأ بدخول الأم.
المشهد الثاني :
في الطريق تتعلق كطفلة في أطراف رداء امها، وترتقي خوفًا من عيون تتوهمون مترصدة لها.
المشهد الثالث :
حجرة الكشف / طبيب / مهديء/ انفراد / اللاوعي يتحدث..طفلة وفستان وكم ممزق.
صار الفستان كجلدها ( أحكام العقدة النفسية البطلة )
زوجي ؟..انه زوجها !..( لحظة تنوير أولى )..الطبيب يتابع
المشهد الرابع :
الزوج / الطبيب…استدعاء لبداية العلاقة، وانتهاء بلحظة التوتر…تحول ليلة الزفاف إلى كابوس…الطبيب يتابع
المشهد الخامس :
الأم/ الطبيب..اسءلة عن ما هية الفستان، واجوبة من الذاكرة…عدت من الخارج- ضمنيًا زوج الأم بالداخل – الابنة تبكي، تشير إلى تمزق الكم، تخلعه للأبد…تتداعى الصور..تنظر للطبيب في ذهول….لحظة التنوير الأخيرة وخاتمة النص تدوينًا، لتكمل مخيلة المتلقي وتستدعي المشهد السادس المسكوت عنه….اغتصاب زوج الأم لربيبته.
تحية لك استاذة ايناس على هكذا نص، استحق بجدارة المركز الأول.
…………..
محمد البنا …١٢/ ١٠/٢٠١٩
النص
مشاهد من ذاكرة سوداء
ملقاة علي السرير كجثة هامدة لا تقوى على الحراك، لا يظهر من صور الحياة عليها سوى دمعات تنساب على وجنتيها في هدوء، تسمع خطوات تقترب من الباب، تتكوم كجنين محتضنة ركبتيها وساقيها تغمض عينيها متظاهرةً بالنوم، يفتح الباب، يقف عنده يتفحصها ببصره، يقترب منها ويجلس على حافة السرير، ترتجف عندما تشعر بيده تتحسسها، يقترب منها ليحتضنها، تشعر بالاشمئزاز من ساعديه كثيفي الشعر، تبعد يده عنها وتهرب من عينيه الشرهتين، تنتابها نوبة شديدة من الهياج والصراخ تجفله فينهض مبتعدًا، لا تهدأ إلا بدخول والدتها فزعة تحتضنها في جزع محاولةً تهدأتها متبادلة نظرات حائرة معه، يخرج مسرعًا بينما تطمئنها قائلة:سنجد من يساعدنا.
في الطريق تمسك بملابس والدتها تتوارى في حضنها عن العيون المترصدة، تكاد قواها تخور وهي تصعد درجات السلم، لا تعي شيئًا مما يدور حولها، تدخلها والدتها لحجرة الكشف بعد أن سرى مفعول المهديء في دمها واستكانت، يشير الطبيب للأم بالخروج.
لا أدري ماذا دهاني، لا أستطيع منع نفسي من الإجابة عن أسئلته، لماذا يصر على السؤال عما هو واضح؟ يسألني عن اسمي فأجيب، يسألني عن عمري فأتعجب، ألا تدل ضفائري وفستاني الطفولي عن عمري!
_أتعرفين لماذا أنت هنا؟
=أمي أخبرتني أنك ستساعدني، هل هذا صحيح؟
_بالتأكيد إذا سمحتي لي.
صفي فستانك..
=إنه فستاني الوردي، أعلم أنه متسخ قليلًا لكني لا أستطيع خلعه عني.
_لماذا؟
=لا أعلم، حاولت كثيرًا ولكنه صار كجلدي لا أستطيع خلعه.
_هل تحبيه لهذه الدرجة؟
=لا لا، أنا أبغضه كثيرًا لكني لا أستطيع خلعه عني، ولا تستطيع والدتي إصلاح هذا التمزق الكبير فيه.
_أين هذا التمزق؟
=ألا تراه! يكاد الكم الأيسر ينفصل عنه!!
_ما الذي مزقه؟
لماذا يسأل هذا السؤال، لا أتذكر ما أو من مزقه، لكني أشعر باضطراب شديد يجتاحني، نبضاتي تعلو تدفع الدم لأذني كصوت ضحكة بشعة أعرفها.
_ألا تحبين زوجك؟
=زوجي؟!
_نعم، من كان معك بالحجرة.
=أنه ليس زوجي، أنه زوجها….
ذلك البغيض الذي ينام مكان والدي على السرير.
_يكفي هذا اليوم.
يجلس أمام الطبيب ساهمًا حزينًا، يسأله عنها كيف التقيا؟ ويطلب منه أن يصف علاقتهما.
*التقينا منذ أكثر من ثلاث سنوات، كانت دائمًا هادئة ودودة، أحببت فيها رزانتها… و تلك النظرة الحزينة التي أشعرتني بالمسئولية نحوها، تقربت منها، كان كل منا مصدر سعادة للأخر، لم أشعر يومًا بأن هناك ما يعكر صفو ما نتبادله من مشاعر صافية، تقدمت لخطبتها ووافقت من فورها، أعددنا بيتنا سويًا، كانت سعادتنا تكبر كلما اقترب زفافنا، حتى أتت تلك الليلة المشئومة التي كانت نهاية لما تمنيته بداية لحياة جديدة.
_صف لي ما حدث.
*ما أن أغلق علينا بابًا حتى تحول حلم اللقاء لكابوس مفزع، بدأت ترتعد وتهزي، حاولت ضمها وطمأنتها، فانتابتها نوبة من الصراخ الهستيري ولم تهدأ إلا بعد حضور والدتها، لولا ثقتي المطلقة فيها لظننت بها سوءًا.
جلست باكية تحكي عن ابنتها بقهر، تركها الطبيب تحكي وتتكلم وهو يستمع في صمت، سألها:
_هل كان لابنتك فستان وردي؟
تعجبت الأم من السؤال.
/نعم، وهي في عمر العاشرة.
_ما الذي مزقه؟
/تمزق منها وهي تلهو في حجرتها.
_هل كانت بمفردها؟
/نعم.
_هل تتذكرين ذلك اليوم؟
/نعم عدت من الخارج فوجدتها تبكي بشدة ولم تجب أي تساؤلات وإنما اكتفت بأن تشير لتمزق في الفستان، خلعته ولم ترتديه مجددًا.
تتداعى الصور أمامها، تتسع حدقتاها في لحظة استبصار مؤلمة وتنظر للطبيب في ذهول.