
Uncategorized
قراءة سريعة في ثلاثية القاصة / إيناس سيد جعيتم ” بريق فضي خاطف ” بقلم / محمد البنا
قراءة سريعة في ثلاثية
القاصة / إيناس سيد جعيتم
” بريق فضي خاطف ”
بقلم / محمد البنا
…………
من المعروف عن تقنية القص القصير بنوعيه القصير والقصير جدًا، الدخول مباشرة إلى عمق الحدث، دونما توطئة أو استهلال، وإن كان لا بد، فالقليل منه يكفي لإلقاء لمحة مؤثرة لها ضرورتها، أما وأن يستمر الاستهلال لفقرة خبرية كاملة، ويلحق بها بعض جمل، فهذا ما لا يطيقه نص قصير.
وهذا النص الجميل الرائع في مغزاه ومدلوله الآجتماعي والإنساني، والبسيط في عرضه وسلاسة سرده وقع بين أنياب تلك الآفة.
النص ابتدأ حتمًا عند ” وُلدت مختلفة..”، وابتدأ تفضليًا عند ” نظرن لها بتعجب..” .
وعند تعمقنا قراءةً في المتن نتوقف عند ثلاث مفاصل
الأول..تلك الخصلة اللامعة….كشف المستور
الثاني.. أنير غرتك….تأكيد أنها شعرة
الثالث.. المصفف بعناية.. تأكيد المؤكد.
والقص القصير أيضًا لا يحتمل التأكيد وتأكيد المؤكد، وما تم ذلك إلا لداعي البلاغة اللغوية، وروتق السردية، وإن كان على حساب التقنية القصية.
نعود للنص وتقييمه وفقًا لمعايير القص، فنجد أن القاصة برعت كعادتها في التميز بأسلوبها السردي الناعم الهادئ الرومانسي، والمتميز دومًا بخلفية شاعرية ولوحة تشكيلية واضحة الألوان، وفكرة مبتكرة طازجة، وحبكة محكمة، فالقاصة ممن يجيدون الأمساك بالخيط السردي بقوة، وعن المعالجة فالترواح السردي بين ثلاث أصوات ..الراوي، ضمير المتكلم، وضمير المخاطب، أضفى على النص حياة وصخب معاش، تعامل النص مع ثلاث شخصيات متوازية رئيسة..الأخوات، الابنة، الأم..لكل منهن خطه الدرامي المنعقد بإحكام..الأخوات…تعجب / نفور / حسد / شماتة
الابنة.. تودد / احساس بالذات / غرور / اقتلاع
الأم…مراعاة/ صمت تفكر / انحياز للغالبية.
ولن أتجاوز إن قارنت بين ما بين يدي الآن، وبين المنهاج القصي الذي اتبعه تشيخوف في معظم أقاصيصه، الخطين المتوازيين( صاعد / هابط )، وأرى في هذا النص ليس فقط خطين دراميين بل ثلاثة كما سبق وأوضحت.
أما عن الفكرة…الاختلاف عامة، فالنص في ظاهرة يعالج قضية اختلاف مادية بأنسنة الشعر، والتضاد الناشئ بين اللونين الأسود والأبيض، وفي مستواه الثاني يعالج الاختلاف الفكري، وضرورة قبول الرأي الآخر، وفي مستواه الثالث يعالج قضية الكراهية العنصرية ( الأبيض والأسود )، والخوف والحذر الفطري من كل ما هو مختلف عنا، ومحاولة التخلص منه، والانحياز الأعمى للشعبوية وإن كانت خطأ بين.
وفي تناص غير متخفي..يطل علينا
يوسف النبي…الشعرة البيضاء
اخوان يوسف…الشعرات السوداء
يعقوب ( أبو يوسف )…الأم
والشعرتين الاخريين…يوسف وأخوه….وإشارة لغلبة الحق.
وإن اختلف مهمة الأم / يعقوب…عن التناص الأصلي.
هنات بسيطة:
يحسدونها…يحسدنها
يتابعونها…يتابعنها
ذهول وخوف..لا تستقيم مع…تشفي وشماتة
والأصوب..فرحة غامرة أو ما شابه.
أما عن كون هذه القصة القصيرة الرائعة ثلاثية، فذلك ل
عنوانها ثلاثي الكلمات
بريق…علم / مكاني
فضي…لون / تعبيري
خاطف.. زمن / حركة.
وشخصياتها الثلاث
الشعرة البيضاء
الشعرات السود
الأم
وخطوطها الدرامية الثلاث
غرور / حسد / اقتلاع
ومستوياتها الدلالية الثلاثة
اختلاف لون
اختلاف فكر
اختلاف اغلبية واقلية.
وثلاثة أصوات
الراوي/ ضمير المتكلم / ضمير المخاطب.
……………..محمد البنا ..٣مايو ٢٠٢٠
النص
…….
بريق فضي خاطف
للأديبة إيناس سيد جعيتم بندوة الثلاثاء ٢٠٢٠/٥/٥)
ولدن جميعهن من رحمٍ واحد، تبدأ حياتُهن القصيرةُ باحتفاليةِ الميلادِ وتنتهي…بالسقوطِ في عالمِ النسيان، على جزيرةٍ تحكمُها نون النسوةِ يعشن ترعاهن الأم، ينسجمن في تناغمٍ ومن تتشابك وتقع بالمشاكلِ منهن تتكفلُ بها الأمُ..
كن جميعًا ينتظرن الوليداتِ بشغفٍ حتى أتت لحظةُ ميلادِها، ولدت مختلفة… تشعُ بضوءٍ فضيٍ براقٍ تحت أشعةِ الشمس، نظرن لها بتعجب، دائمًا ما تباهين بلونهن الأسودِ الفاحم، وافتخرن به حتى ولدت هي، تبادلن نظراتِ الحيرة، تساءلن
– كيف وُلدت هكذا؟
(ولدتُ مميزةٌ أعرفُ ذلك، أرى نظراتِ الحيرةِ الممزوجةِ بخوفٍ في أعينهن، كلما حاولتُ التقربَ منهن تفرقن وابتعدن، أنا أختكن.. ماذا دهاكن؟!! )
تابعنها بتوترٍ وهي تنمو وتزدادُ طولًا وتألقًا كل يوم، همست بعضهن وقد أشعلت قلوبَهن الغيرةُ:
-هل تعتقدُ أن لونَها وبريقَها الذي يخطفُ الأبصارَ يميزُها؟ أفيقي أختاه أنت غريبةٌ بيننا.
بينما تجنبتها بعضهن خوفًا منها:
-هي لا تشبهُنا، لا تخالطوها.
اختلفت ردودُ أفعالهِن حيالها ولكنهن تجمعن على قرارٍ واحد..
إحساسُها بالرفضِ منهُن أصابها في البدايةِ بالحيرة، ما اختارت لونَها ولا تعرف سببَ اختلافِها، كل ما أرادته أن تختلطَ بهن وتأخدُ مكانَها في تلك الخصلةِ اللامعة، كلما حاولت التوددَ لهن زدنها جفاء، تسلل الغضبُ لقلبِها وهي تعجزُ عن تقبلِ رفضهن لها…
-إذا كنتن لا تريدونني فشاهدوني جيدًا وأنا أخطفُ الأبصارَ بلوني الرائع.
(أماهُ انا ابنتك، أنا المميزة، هن يرفضونني، انظري الي وأنا أنيرُ غرتك).
لشدةُ دهشتِها ودهشتهن كن جميعًا كمن توقف به الزمن ..
يدُ الأمِ تمتدُ لتحتضنَها … يحسدُونها… تنام بفخرٍ بين إصبعيها … ذهولٌ وخوفٌ وهن يتابعونها وقد اقتُلعَت من منبتِها، شماتةٌ وتشفي بها…
قررن الاحتفالَ بتفضيلِ الأمِ لهن وإقصائها عن عالمهن المصفف دائما بعناية، في غمرةِ احتفالِهن لم يلحظن أختيها الفضيتين اللتين نبتتا مكانها.
ايناس سيد جعيتم