بيت الأدباء والشعراء

اهل البحرين من خير أهل المشرق

أهل البحرين من خير أهل المشرق.
محمد سعيد أبوالنصر
أصلاء العرب يتصفون بصفات بارزة وسمات معروفة ،ومنها الحلم والأناة ،وإغاثة الملهوف، ونصرة المظلوم، وإكرام الضيف، واحترام الجار، وغيرها من الصفات التي امتدت من موروث الأجداد إلى أبناء هذا العصر وأصبحت لهم هوية يُعرفون بها، وتكريم أهل البحرين ومدحهم ممتد ، وخير مدح نالوه جاء في التكريم النبوي من فم الرسول الكريم ،وهو يقول فيهم مادحا ومعليا لمكانهم«سيطلع لكم من هذا الوجه ركب هم خير أهل المشرق،وأهل المشرق، يقصد بهم (أهل البحرين) وتمتد البحرين قديمًا من البصرة مرورًا (بجزيرة أوال ـ مملكة البحرين حاليًا)، والقطيف، إلى إقليم هجر(الأحساء حاليًا). فتكون مملكة البحرين الحالية داخلة في الحديث الشريف. فقام عُمر -رضي الله عنه- فلقي ثلاثة عشر راكبًا فرحّب وقرّب
إنّ مدحي للبحرين لن يزيد من قدرها، فقدرها عال، ومكانتها باقية تعانق السماء، وحينما أريد أن أصف أهل البحرين لا أجد أرق ولا أجمل من أن أذكركيفية إسلامهم وأذكر أَشَجّ عَبْدِ الْقَيْسِ الذي اتصف ب(الحلم والأناة) ،هاتان الصفتان اللتان من اتصفا بهما اتصف بأنبل الصفات وأعظم الأخلاق ، اسمح لى أيها القارئ أن اشرح لك كيفية إسلام أهل البحرين وماذا قال الرسول لأشج عبد القيس الذي قدم على الرسول من هذه الدولة العظيمة والقبيلة الفخيمة استمع إلى رواية الإمام مسلم ،لتتعرف على هذه الدولة كما وردت في السنة الصحيحة .قال مسلم: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِى عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مَنْ لَقِىَ الْوَفْدَ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ. قَالَ سَعِيدٌ وَذَكَرَ قَتَادَةُ أَبَا نَضْرَةَ عَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ فِى حَدِيثِهِ هَذَا. أَنَّ أُنَاسًا مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا يَا نَبِىَّ اللَّهِ إِنَّا حَىٌّ مِنْ رَبِيعَةَ وَبَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ وَلاَ نَقْدِرُ عَلَيْكَ إِلاَّ فِى أَشْهُرِ الْحُرُمِ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَأْمُرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا وَنَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ إِذَا نَحْنُ أَخَذْنَا بِهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ اعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَصُومُوا رَمَضَانَ وَأَعْطُوا الْخُمُسَ مِنَ الْغَنَائِمِ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ ». قَالُوا يَا نَبِىَّ اللَّهِ مَا عِلْمُكَ بِالنَّقِيرِ قَالَ « بَلَى جِذْعٌ تَنْقُرُونَهُ فَتَقْذِفُونَ فِيهِ مِنَ الْقُطَيْعَاءِ – قَالَ سَعِيدٌ أَوْ قَالَ مِنَ التَّمْرِ – ثُمَّ تَصُبُّونَ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ حَتَّى إِذَا سَكَنَ غَلَيَانُهُ شَرِبْتُمُوهُ حَتَّى إِنَّ أَحَدَكُمْ – أَوْ إِنَّ أَحَدَهُمْ – لَيَضْرِبُ ابْنَ عَمِّهِ بِالسَّيْفِ ». قَالَ وَفِى الْقَوْمِ رَجُلٌ أَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ كَذَلِكَ. قَالَ وَكُنْتُ أَخْبَأُهَا حَيَاءً مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقُلْتُ فَفِيمَ نَشْرَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « فِى أَسْقِيَةِ الأَدَمِ الَّتِى يُلاَثُ عَلَى أَفْوَاهِهَا ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَرْضَنَا كَثِيرَةُ الْجِرْذَانِ وَلاَ تَبْقَى بِهَا أَسْقِيَةُ الأَدَمِ. فَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ وَإِنْ أَكَلَتْهَا الْجِرْذَانُ ». قَالَ وَقَالَ نَبِىُّ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لأَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ « إِنَّ فِيكَ لَخَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ ». . روايات كثيرة لهذا الحديث وبينها اختلاف كثير في الألفاظ بالزيادة والنقص والتبديل والتقديم والتأخير والقصة واحدة، ولم يعد هذا الاختلاف مشكلا بعد البيان الذي مر بنا قريبا عن صحة الرواية بالمعنى، واختلاف الرواة في الحفظ والضبط الذي لا يطعن في صحة الحديث.
والذي يعنيينا من هذا كله ما أقصه عليك على لسان أستاذنا العلامة الكبير موسى شاهين لاشين،وهو يشرح هذا النص ولا أخفيك أنني قرأت بدون مبالغة أكثر من مائة مرجع لكنى لم أجد من يشفي الغلة ويسد الخلة ،أفكار متناثرة على النص وكلمة من هنا وكلمة من هناك حول النص لكن الراجل بما أوتى من فصاحة صاغ الحديث على نحو مبدع رشيق فقال: واستمع إليه بشغف وهو بيبن لك أصل القصة ،وللتنبيه هو نصه كما هو بدون تدخل مني ولا تصرف يقول : ((كان منقذ بن حبان من قبيلة عبد القيس رجلا تاجرا، يحمل الملاحف والتمر ليبيعها بالمدينة المنورة. فبينا هو قاعد إذ مر به النبي صلى الله عليه وسلم، فنهض منقذ إليه احتراما وتقديرا فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أمنقذ بن حبان؟ كيف جميع قومك؟ كيف فلان وفلان وفلان؟ يسأله عن أشراف عبد القيس، ويسميهم بأسمائهم واحدا واحدا، فوقع الإسلام في قلب منقذ فأسلم، وتعلم الفاتحة وسورة {اقرأ باسم ربك} ثم رحل، وقد حمله النبي صلى الله عليه وسلم كتابا إلى جماعة عبد القيس، فلما وصل خاف أن يظهر الكتاب، وكتمه أياما، وأخذ يصلي في منزله سرا.
ورأت امرأته أنه يقول كلاما ويعمل أعمالا لم تعهدها، فقالت لأبيها- وهو المنذر بن عائذ الذي سماه الرسول صلى الله عليه وسلم بالأشج فيما بعد – قالت له: أنكرت بعلي منذ قدم من يثرب إنه يغسل أطرافه، ويستقبل هذه الجهة، فيحني ظهره مرة، ويضع جبينه مرة، ذلك ديدنه منذ قدم.
فالتقى أبوها بزوجها، وتكلما وتفاهما، فأسلم المنذر، فأراه منقذ كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عبد القيس، فقام المنقذ به إلى قومه، فقرأه عليهم، ورغبهم في الإسلام فأسلموا، وقرروا السير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لينهلوا من نبع نهر الحياة، وليأخذوا قبسا من مصدر النور يضيء لهم الطريق.
ولكن أنى لهم الوصول إلى المدينة؟ .
إنهم في البحرين في شرق الجزيرة العربية، والمدينة في غربها، وكفار مضر يسكنون وسطها، يتعرضون للقوافل، ويقطعون السبيل، ويقتلون ويسلبون، وخصوصا المتوجه إلى المدينة الراغب في الإسلام.
وكان الرأي الحكيم أن يحددوا لسفرهم شهر رجب، الشهر الذي تقدسه مضر وتعظمه وتبالغ في احترامه أكثر مما تفعل في بقية الأشهر الحرم، إنهم يلقون فيه السلاح إلقاء كاملا وينصلون فيه أسنة الرماح، ويسمونه الأصم لأنه لا تسمع فيه قرقرة السلاح، وفي رجب من العام الثامن للهجرة، وقبيل فتح مكة سار الوفد، سار أربعون رجلا، من بينهم أربعة عشر أو سبعة عشر من سادات عبد القيس وأشرافها وفرسانها ركبانا والباقون مشاة، حتى قاربوا المدينة.
وألقى في روع رسول الله صلى الله عليه وسلم قدومهم، فقال لجلسائه، سيطلع عليكم من هذا الوجه ركب هم خير أهل المشرق، غير ناكثين ولا مبدلين ولا مرتابين، فقام عمر رضي الله عنه فاستقبلهم على أبواب المدينة فرحب وقرب، وقال: من القوم؟ فقالوا: وفد عبد القيس، فصحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتلقاهم
بالترحيب وبشرهم بالخير العاجل والآجل، فقال: مرحبا بالقوم الذين لم يمسسهم خزي في دنياهم، فأسلموا دون سبي أو قتال، ولن يمسسهم ندم في مستقبل دنياهم على ما يفعلون. ونظر الصحابة إلى باب المسجد فرأوا رجلا حسن الهيئة، يلبس حلة جديدة، يدخل في اتزان ووقار، تبدو عليه ملامح السادة والأشراف.
إنه المنذر بن عائذ الأشج رئيس الوفد، لم يتسرع كما تسرعوا، بل عمد إلى الأمتعة فجمعها، وإلى الراحلة فعقلها، وخلع ملابس السفر، ولبس أحسن ثيابه، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم، فرحب به وقربه إليه وأجلسه إلى جانبه، ثم قال مخاطبا الوفد كله: بايعوني على أنفسكم وقومكم، فمد القوم أيديهم وقالوا: نعم بايعناك.
فقال المنذر: يا رسول الله إن أشد ما يحول عنه المرء هو دينه، نبايعك على أنفسنا فقط وترسل معنا إلى قومنا من يدعوهم، فمن اتبعنا كان منا ومن أبى قاتلناه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدقت، إن فيك يا أشج لخصلتين يحبهما الله، الحلم والأناة.
قال له: يا رسول الله، أكانتا في أم حدثتا؟ قال: بل قديما. قال: الحمد لله الذي جعلني على خلقين يحبهما.
ثم قال المتحدث عن القوم: يا رسول الله. إننا قبيلة من ربيعة، وقد علمت مساكننا وبعد الشقة علينا، ولا نستطيع أن نصل إليك إلا مرة في كل عام في الشهر الحرام، لأن كفار مضر لا يخلون بيننا وبينك، فعلمنا من أمور الإسلام ما يلزمنا، واشرح لنا ما يجب علينا شرحا لا لبس فيه ولا غموض، فلسنا ممن حولك، ممن يسهل عليهم لقاؤك، ويتلقون حيثما يشاءون تعاليم دينك.
مرنا بأمر نعمله وندعو إليه قومنا الذين خلفناهم وراءنا، مرنا بأمر إذا عملناه دخلنا الجنة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم آمركم بالإيمان بالله وحده، ثم قال: هل تدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله ورسوله أعلم.
قال: أن تشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيموا الصلاة، وتؤتوا الزكاة، وتصوموا رمضان، وأن تؤدوا خمس ما غنمتم.
قالوا: يا رسول الله -وقيت الشر وجعلنا الله فداءك من كل مكروه- ماذا يحل لنا من الأشربة؟
قال: أنهاكم أن تشربوا ماء التمر والعنب المنقوع في وعاء القرع (الدباء) أو المنقوع في الجرار المطليات (الحنتم) أو المنقوع في وعاء مطلي بالقار (المقير) أو المنقوع في جذع شجرة منقور (النقير).
قالوا: يا نبي الله. ماذا تعلم عن نبيذ النقير؟ وكيف علمته وهو ليس ببلادكم؟ قال: نعم. هو جذع تنقرونه، فتقذفون فيه الماء والتمر أو الزبيب وتخلطونه وتتركونه حتى يغلي، فإذا سكن غليانه شربتموه، حتى إن أحدكم ليضرب ابن عمه بالسيف. وكان في القوم رجل أصيب بسيف ابن عمه السكران، وهو يخفي إصابته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم استحياء، فلما سمع كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بالغ في إخفاء جراحته وقال: يا رسول الله، ففي أي الأوعية ننقع التمر والزبيب لنشربه.
قال: هذه الأوعية تخفي التخمر فتوقعكم في شرب المسكر، ولكن انقعوا في القرب في أوعية الجلد المدبوغ، التي يربط على أفواهها، فإنها لا تخفي التخمر، لأن ما ينبذ فيها إذا تخمر شقها.
قالوا: يا رسول الله، إن أرضنا يكثر فيها الفأر الذي يأكل الجلد، فلا يبقى لنا أسقية القرب، ولا وعاء من هذا النوع، فهل من رخصة؟ .
قال صلى الله عليه وسلم: لا رخصة وإن أكله الفأر. وإن أكله الفأر. وإن أكله الفأر.
وعاد الوفد إلى حيه وأرضه حاملا معه مشعل الإسلام، يسبقون غيرهم من أهل القرى.
فكان مسجد عبد القيس بالبحرين أول مسجد تجمع فيه الجمعة بعد مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة، فرضي الله عنهم ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: