
جحا برئ
…
انتفضت من جلستي كمن مسها ضر ، وصرخت في هذا المتحذلق المتحدث ..( هذا كذب .. جحا برئ مما تدعون ).. ماهمني همهمات الجالسين علي فرش وثير من الراحة في قاعة المحكمة ، قال القاضي في لطف غريب .. سيدتي أنت تتهمين اٍلإدعاء بالكذب .. أتدركين ماتفعلين ..؟ قلت دون إرادة مني : يااولادي ، كل هذه التجاعيد علي جلدي تحمل سنينا عجافا من الرؤية والتعلم والتجربة ، كل هذا الوهن في قوامي ماهو إلا دروس وعبر ، كل هذه الجرأة في اقتحامي مجلسكم والكلام دون إذن ليست إلا صرخة لضمير تربي علي صدق وقيم ، ياسيدي لو سمحت لي أفند لكم براءة جحا مما يدعون .
تبسم القاضي والتفت إلي الإدعاء وكأنه يستأذنه للخروج عن الشكل الإجرائي للجلسة ، لكن الأخر لم يمهله وراح يكمل مابدأه .. سيدي الرئيس إن جحا عبث بحكاياته وماسمي نوادره وبحماره إيضا بكل قيم المجتمع .. انه أورث ابناءنا ياسيدي اللامبالاة والسخرية والإتكالية والإهمال .. لقد علم أبناءنا التحايل علي الرزق ، والركون إلي الكسل ، والإحتيال علي قضاء حوائجهم دون اللجوء إلي الطرق القويمة ، أن جحا سيدي شخص مدسوس من قوي عظمي لإفساد مجتمعاتنا .
لم استطع كتمان ضحكتي إلا بوضع يدي علي فمي.. وما أروع هذا القاضي الواعي الذي إبتسم في مسامحة تدل علي وعي وفهم
قلت : سيدي القاضي لاأري هيئة للدفاع عن جحا ، فهل تسمح لي المحكمة بأن أكون دفاعه ..
توجه القاضي للادعاء .. مارأي الادعاء ..؟
خرجت الكلمات من تحت اسنان الادعاء وهو يقول : ماترونه سيادتكم
نظر القاضي الوقور تجاهي من تحت نظارته المتدلاة علي أنفه وأشار لي .. تفضلي
هممت بالتوجه إلي منصة الدفاع ، ولكنني لم أشعر بأنني اتحرك ، كنت اتحرك بعقلي فقط وأنا ثابتة في مكاني ، ضحكت من نفسي ، ماهذا ..؟ تعجب القاضي وهو يكرر تفضلي .. لم استطع .. قلت في صوت واهن هل يمكن سيدي أن اطلب حمار جحا ينقلني إلي المنصة .
انتفض الإدعاء مزمجرا وهو يقول .. سيدي الرئيس هذا كثير .. قلت للقاضي مقاطعة الادعاء : سيدي أن جحا رجل واقعي وله مقولة شهيرة أذكر الإدعاء بها ..وهي ” الحمير تعرف بعضها ” فلو أذنت سيدي سيعرف الحمار صاحبه أن أذنت له بالدخول .
ضحك القاضي عاليا وهو يردد ( محكمة .. كل الشعوب والأمم قد صممت لها جحا خاصا بها .. يتلاءم مع ظروفها .. وحيث أن جحا كان يتصنع الغباء بكل ذكاء لحل مشاكله .. لهذه الأسباب نأمر بدخول الحمار )
رحت أضحك . أضحك .. أضحك حتي أختنقت واستيقظت من نومي
فاطمة البيك