بيت الأدباء والشعراء

حديث الجمعة بقلم علي الشافعي كتاب من التراث (الف ليلة وليلة)

حديث الجمعة بقلم علي الشافعي كتاب من التراث (الف ليلة وليلة)

حديث الجمعة بقلم علي الشافعي
كتاب من التراث (الف ليلة وليلة)
(بلغني ايها الملك السعيد ذو الراي الرشيد ان … ) مقدمة كنا ننتظرها كل يوم خاصة في مثل هذه الايام الطويلة ، كان الوالد رحمه الله يجلس بين مجموعة من الاصحاب والاقارب , وعلى قرقعة دلة القهوة على النار يقرا هذه العبارة , فتُشنَّف الاذان لسماع حكاية جديدة من حكايات الف ليلة وليلة .
بعد انتشار المحطات الاذاعية صرنا نسمعها من اذاعة القاهرة , وننتظر كل حلقة بفارغ الصبر , ثم مع تطور التقنيات التلفزيونية صرنا نشاهدها كمسلسلات تلفزيونية وعروض مسرحية او وبرامج اطفال لا تخلو من المتعة والفائدة اضافة الى عنصر التشويق الذي يجعلك تعد الساعات بانتظار الحلقة القادمة . ما هذا الكتاب ؟ وما قصته ؟ سأقول لكم بعد الصلاة على رسول الله :
ألف ليلة وليلة كتاب من التراث الشعبي , يحتوي على مجموعة من القصص التي تجمع بين الحقائق والأساطير ، من غرائب وعجائب وحكم وامثال حدثت على مر الزمان , بأسلوب السرد القصصي الشيق ، ويقال إن تسمية الكتاب بهذا الاسم تعود إلى أن حكاياته رُويت على ليالٍ متتالية بلغت الف ليلة وليلة واحدة . وقد كان للحكواتي دور في نشر هذه الحكايات وتأليف بعضها وتهذيبها بالزيادة او النقصان تبعا للذوق العام .
يتكون كتاب ألف ليلة وليلة من ثلاثة أجزاء بحسب ما توصل إليه الباحثون ، أُخِذ الجزء الأول عن كتاب فارسي قديم باسم (هزار أفسانة ) أي ألف خرافة , تمت ترجمته إلى اللغة العربية ، أما الجزء الثاني فتم تأليفه في بغداد والبصرة على ايدي بعض القصاص العرب في العصر العباسي ، في حين أُلّف الجزء الثالث في الشام ومصر ابان عهد الدولة الفاطمية .
ويحتوي الكتاب على 264 قصة , ترويها شهرزاد زوجة الملك شهريار وبنت وزيره له كل ليلة ، حيث كانت له عادة ان يتزوج كل يوم بنتا بكرا , وفي الصباح يقتلها , لقصة حصلت له موجودة في مقدمة الكتاب قبل الليالي , فضج اهل المدينة واخفوا بناتهم او هرّبوهن خارجها , ولم يبق الا ابنة الوزير والتي امتازت برجاحة العقل والادب وحلاوة المنطق وسعة الاطلاع , فقبلت واحتالت بهذه القصص الشيقة لتنقذ نفسها وبنات بلدتها من المصير المحتوم , فكان الملك يؤجل قتلها كل ليلة حتى تنهي الحكاية , وخلال الالف ليلة وليلة كانت قد انجبت ولي العهد , فنجت بهذه الحيلة , وترك الملك تلك العادة , واستمتعنا نحن بقصص في غاية الجمال .
حرصت شهرزاد ان تنهي الليلة مع صياح الديك فتختم الليلة بلازمة (وهنا ادرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح ) , وكانت تتعمد ان تنهيها عند موقف شيق من القصة , فتكملها في الليلة المقبلة , وتبدأ قصة جديدة لكي يبقى شهريار متحمساً لسماع البقية في كل ليلة ، ويُعرف الكتاب في الغرب باسم الليالي العربية .
أما لغة الحكايات في الكتاب فتجمع بين العامية والفصحى , كما تتخللها أبيات شعرية مناسبة لمقتضى الحال ، وقد صدرت منه نسخ منقحة ومستبعد منها ما هو مناف للذوق العام , ومن أشهر الحكايات فيه قصة علاء الدين والمصباح السحري ، وقصة علي بابا والأربعين حرامي ، وحكاية قمر الزمان والملك شهرمان , وقد أحرز كتاب ألف ليلة وليلة شهرة أدبية واسعة حيث كُتبت فيه دراسات كثيرة ونقده الكثيرون ، وتمت طباعته مئات المرات وتُرجم إلى العديد من اللغات .
ليس من السهل معرفة مؤلفي الكتاب ، ويُعتقد أن كل قاص (حكواتي) كان يروي الحكايات للمستمعين بأسلوبه السردي الخاص به ، ونقلها عنه القصاصون المختلفون بعصور مختلفة ولهجات متعددة ، وقد ورد عن المسعودي في كتابه مروج الذهب عن المجموعة الاولي من الكتاب ((هزار أفسانة ) عبارة عن خرافات تمت ترجمتها من الفارسية والهندية إلى العربية باسم ألف ليلة وليلة . كما رجح بعض الباحثين نسبة الحكايات إلى أصول هندية تبعاً لطريقة روايتها والانتقال من حكاية لأخرى , والتي تشبه إلى حد ما طريقة رواية الهنود لحكاياتهم , كما ورد في كتاب كليلة ودمنة .
أما المجموعة الثانية فهي المجموعة البغدادية ، التي تشتمل بدورها على روايات وقصص شعبية ألفها القُصاص المسلمون في العهد العباسي وتناقلتها الأجيال من بعدهم ، وقد ورد عن ابن النديم في الفهرس أن الجهشياري المتوفي سنة 331 هـ( اديب ومؤرخ من اهل الكوفة ) ألف كتاباً انتقى فيه ألف سمر من أسمار العرب والعجم ، ويذكر ايضا أن الكثير من المؤلفات في أدب السمار وردت عن العرب في الخلافة العباسية لا سيّما في عهد الخليفة المقتدر بالله ، كما أُضيفت إلى هذه المؤلفات حوادث تاريخية وزيادات عن العديد من الشعراء العباسيين ، ووُجِدت الحكايات التي تصف مدى غنى وترف أهل البصرة وبغداد أيضاً .
المجموعة الثالثة مجموعة مصرية بدأت مسيرتها من القرن الخامس الهجري ، وتشتمل على قصص وحكايات عن مصر وبلاد الشام ، كما يُعتقد أنه مع مرور الأيام أُلفت مجموعة مصرية جديدة تكرّرت فيها بعض الحوادث ولكن تغيرت فيها أسماء الأبطال ، كما احتوت على حكاياتٍ عربيةٍ إسلاميةٍ بالإضافة إلى الأساطير الشرقية ، وتعتمد الحكايا فيه على الجن والسحر والقدر بسياق مهذب ، مثل حكاية علي شار مع زمرد الجارية، وحكاية جودر التاجر وإخوته، كما تتحدث عن المحتالين واللصوص، بالإضافة إلى قصص الصوفيين والزهاد ، مثل حكاية معروف الإسكافي ، وحكاية مدينة النحاس ، وحكاية الرجل الصعيدي وامرأته الإفرنجية . كما احتوت على حكايات أُلفت لإتمام الليالي إلى ألف ليلة وليلة، ومن أشهرها حكاية السندباد .
تُرجِم كتاب ألف ليلة وليلة إلى عدّة لغات، وقد طبع بالعربية لأول مرة في ألمانيا سنة 1825م بإشراف «المستشرق هايخت» أنجز منه ثمانية أجزاء ، مع ترجمته إلى الألمانية ، وتوفي قبل إتمام الكتاب، فأنجز الباقي تلميذه هاينريخ فلايشر المتوفي سنة 1888م ثم طبع مرات عدّة ، أهمها طبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر سنة 1960م. كما صدرت ترجمات أخرى مثل الفرنسية والإنجليزية، والألمانية، والإيطالية والروسية وغيرها الكثير .
وبعد ــ يا دام مجد اجدادكم الاوائل ــ فقد اخترت لكم على ذوقي هذا الكتاب التراثي والقيت الضوء عليه , لما اعتقد انه يحوي الفوائد من الطرائف والفرائد والحكم والامثال ومواقف الرجال الاماجد , لمن احب ان ينهل من معين التراث , راجيا ان ينال رضاكم , وان يكون ذوقي قد اعجبكم . طاب يومكم .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً

إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: